كان يوم غريب وكان فيه دعوة مليونية انتشرت
بين كل الناس قبل اليوم دى ، أن لازم يجتمع أكثر من مليون مواطن مصرى فى الميدان
وفى كل ميادين مصر التانية عشان يطالبوا برحيل مبارك، وبالفعل القنوات نقلت الزحام
والتكدس بتاع الناس، ومعظم محافظات مصر خرجت يومها فى مظاهرات، والجيش كان حوالين
الميدان وتقريباً كان فيه دبابات فى معظم شوارع وميادين جمهورية مصر، كان أول يوم
الناس تحس بجد أن دى ثورة من شدة الزحام والتكدس ورجع الاتصالات متقطعة والنت بقى
يشتغل ويقطع ودا اللى خلى الناس تدخل بغزارة لدرجة أن الشبكات كانت بتقع، وطبعاً
كان فيه كتير زى حالاتى ما يعرفوش حاجات كتير عن الفيس بوك وصفحات خالد سعيد
والتويتر والقصص دى كنت مفكراها مواقع للتعارف بين الشباب والبنات، فما فكرتش
أدخلها قبل الثورة بصراحة، لكن اللى ما كانش عارف عرف، والناس بقت تعرف المعلومات
اللى بيحجبها التلفزيون المصرى اللى ما كنش حد بيشوفه أصلا، بالعكس الناس كانت
بتتبع ترددات القنوات اللى كانت بيتغلوش عليها.
طبعا القنوات اللى زى الجزيرة والبى بى سى
والعربية كانت بتنقل بث مباشر، والطائرات بدأت تظهر فوق سما التحرير، وشكل الناس
كان يفرح القلب، كان فعلا يوم فرح من الأيام القليلة فى حياة مصر، أن الناس طبعا
بالشكل ده أكدت كسر حاجز الخوف جواها، والكترة كانت بتديهم احساس بالأمان وضمان
أنهم هيوصلوا للى هما عاوزينه، كانت بدأت صور الشهداء تنطبع وتظهر جلية وكترتهم
كانت تقطع القلب وخاصة أن كلهم شباب ومش شباب عادى دول مهندسين ومحاسبين ورسامين
يعنى لا شباب بايظ ولا عاطل، واللى كان يزعل أكتر أن كان فيهم ناس متزوجين وعندهم
أطفال صغيرة، وبدأت اللافتات والعبارات اللى كانت بتحمل تهكم وشتيمة واتهامات
بالخيانة وفى كل مرة كانت بتنتهى العبارة بأرحل، وفى الشارع كان الوضع هادىء جداً
وكأن المدينة بقت مدينة أشباح مفيهاش بشر، سواء لأن الناس خايفة على نفسها وعلى
ولادها من البلطجية، أو لأنهم مزروعين قدام التلفزيون، وكان على التلفزيون بدأ
يظهر فرق تمثل مهن ونقابات مختلفة ومحافظات مختلفة كمان دكاترة لابسين بالطو أبيض،
ومحامين لابسين الروب الأسود وشيوخ من الأزهر وكله شايل يافطات تؤيد رحيل مبارك،
غير الابداعات اللى ابدعها الشعب، واتشافت صور لناس بتغنى وشعر بيتألف مخصوص عشان
رحيل مبارك، والناس فضلت طول النهار فى تزايد لدرجة أنى تخيلت أن كل المصريين
سابوا مصر وراحوا الميدان.
وطول اليوم كان التلفزيون والقنوات الفضائية
المصرية بتهد الصورة دى بأنها تجيب فنانين ورجال دين وناس عادية تحسس ان اللى قاعد
قدام التلفزيون أن البلد بتضيع بسبب المأجورين بتوع التحرير، وأنهم شوية عيال
مضحوك عليهم وقابضين فلوس، وعلى الجانب الأخر خرجت مظاهرة مؤيدة لمبارك وطبعا
جماعة المنتفعين حشدوا لها وبتوع الحزب واتباع سيدهم السيد خرجوا بالأمر المباشر،
وعمو شفيق بتاع البونبونى طلع على التلفزيون يتكلم بشكل مهذب ويخفف من حدة التوتر
وكان باين عليه الإجهاد وكأنه ما بينماش ودا كان دليل على أن الحكومة ما بتنامش
فعلا للبحث عن حلول سريعة، ورغم كده أول ما شكك فى أنها ثورة الناس قلبت عليه،
وطلع وزير المالية اللطيف يقول أن الدعم هيظل موجود ومشاكل الأجور هتتحل قريباً،
والأهم أن الجيش طلع يحذر من إرتداء الزى المشابه لزى الجيش وظهروا فعلا بزى
مختلف، وطلع المسئول عن الشئون المعنوية يخاطب الشعب ويفهمهم أن الناس من حقها
تتظاهر وأن الجيش فى صف الناس ولا يمكن يعتدى على حد أو يطلق رصاصة على مصرى، وحذروا
من المندسين بين المتظاهرين على أنهم من الجيش وهما بلطجية بيألبوا الناس على
الجيش عشان يحصل احتكاك فيثور الناس على الجيش ويتشكك فى نواياه ويبدأ الحرب بين
الناس والجيش ، وكان ده وقتها كفيل بإجهاض الثورة لكن الناس كانت أذكياء والجيش
كمان للأمانة يتحسب له إعلانه وتغييره لزيه ودا عطى الأمان للناس وثبت يقينهم فى
أن الجيش فى صف الشعب، وكان بدأ يتم القبض على البلطجية ويظهر ده فى التلفزيون
وبدأت الشرطة العسكرية تمسك أعداد كبيرة من البلطجية حتى من اللى فى الميدان وخاصة
اللى بيمسكوهم الثوار، وظهرت حملات التفتيش فى مداخل الميدان.
وعلى التلفزيونات العربية والعالمية ظهر
مشهدين الناس اللى مش مصرية اللى بتهرب وتطلع على قنوات بلادهم تحكى عن الرعب
والفوضى فى مصر، والمشهد التانى للمصريين
اللى فى الدول العربية والأجنبية اللى خرجوا فى مظاهرات واتجمعوا أدام السفارة
المصرية فى كل مكان للمطالبة برحيل مبارك، المشهد الغريب بقى فى اليوم ده واللى
تابعوه الناس على شاشات التلفزيون هو أن عمر سليمان (نايب الريس المخلوع) طلع
يطالب كل القوى بالجلوس على طاولة الحوار طبعا عشان يغريهم ويجعلهم يتخلوا عن
الثوار والثورة ويرجعوا لأماكنهم فى اللعبة كأحزاب كرتونية، ونسيوا أصلا أن
الأحزاب لا ثقل لها على الإطلاق، لكن المدهش أن الأحزاب والقوى السياسية رفضت
الحوار إلا بعد التنحى وخاصة أن الميدان أعلن أن الأحزاب لا تمثل إلا نفسها فقط،
فاتكسفوا على دمهم وحبوا يعملوها بجميله على أساس أنهم فعلا كانوا رافضين.
وجه الليل وسمعنا أن عمو حسنى هيخطب، والناس
فضلت تستنى الخطاب لحد نص الليل وجه الخطاب كأنه خطاب استعطاف ، وكأن الراجل
بيستجدى الناس أنهم يسيبوه يطلع بكرامة فى نهاية الكام شهر اللى فاضلين ليه، وأنه
عاش وعاوز يموت جوه بلده ويندفن فى تراب مصر، وأنه هياخد التدابير اللازمة لمحاسبة
الفاسدين وأن مجلسى الشعب والشورى هيبدأ فى الإعداد لمشروع التجهيز لتداول السلطة
بشكل قانون وشرعى.
طبعا الناس فى البيوت ومنهم أنا كنا هنعيط
وصعب علينا الراجل، وأول ما خلص الخطاب كلمتنى صافى صاحبتى وفضلنا نحلل الخطاب
واتفقنا على أنه كده حلو لا هو هيترشح ولا ابنه والراجل فضل له كام شهر ويمشى
والميدان موجود هو هيطير، والصح بقى أن الشباب اللى فى الميدان يرجعوا، وبدأنا
نقول لو ما رجعوش بصراحة يبقى فيه إن ، أيوة أنا وقتها فكرت كده باعترف نسيت كل
مساوىء الراجل ده وبلاويه ومصايبه، كانت غلطة بس أحنا شعب عاطفى، تكوينا كده ونمنا
وأحنا كلنا متعاطفين معاه فى البيوت وعاوزين القصة دى تنتهى بقى والناس تكلم
ولادها يرجعوا لبيوتهم ونشوف بعد كام شهر هيحصل إيه إن ما كانش يبقى عندهم حق ومصر
كلها تنزل تثور ضده ، بس ربنا كان له تدبير تانى.....يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق